السؤال: إن
الحداثة لها وجود هنا، فما تعليقكم على ذلك؟
الجواب:
الحداثة الكلام فيها يطول، ولكن مدى وجودها في المنطقة هو الذي يحدد، فلاشك أن عندنا هنا فيما رأيت وسمعت أن
الحداثة في الفترة الأخيرة تحاول أنها تذهب إلى الأرياف وإلى المدن والمناطق النائية وخاصة في الصيف؛ لأن في المدن الرئيسية قد ظهرت عوارها وبان بوارها، وقام في وجهها -ولله الحمد- الدعاة في كل مكان.
الحداثيون باسم التحديث الشعري، وباسم التجديد في القصيدة العمودية وغير العمودية، وباسم استيراد مناهج نقدية أدبية، بهذه الأسماء يريدون طمس دين الإسلام، حتى لو قالوا: لا نريد أن نُغير ولا أن نهدم إلا اللغة، وأن التجديد الذي نطالب به هو فقط في اللغة، فإن ذلك هدم للإسلام؛ لأن من يهدم لغة القرآن فقد هدم القرآن.
وكذلك هدم العقلية الإسلامية، فلا شك أن هدمها -وهي عقلية تزن الأمور بالميزان الإسلامي الصحيح وهو أنقى الموازين وأصفاها- هدم للأمة؛ لأننا عن طريق هذه العقلية نقول لهم ونبين لهم ونبلغهم كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم ينظرون إلى أحوال الأمم ويستقرئونها بهذه العقلية.
الحداثة تدمر -مما تدمر- المنهج العقلي في التفكير؛ لأنها عبارة عن ثورة في
أوروبا، ويسمونها في
أوروبا ثورة اللامعقول على العقل، أو ثورة اللاعقلية ضد الاتجاه العقلي، تثور على العقل ومعايير العقل وأحكام العقل بالكلية! فهي أحلام وتخيلات..!
حتى إن بعضهم يقول: إن أساس
الحداثة هو الجنون، أي: أساس التعبير الحقيقي عن النفس الإنسانية هو الجنون، وبعضهم يقول: إنها الأمر الباطن، ولذلك يعتمدون على الأحلام والرؤى والخيالات، ويقولون: يستحيل أن تناقش القصة أو القصيدة على أي أساس عقلي.
فإذا قلت مثلاً: لماذا يُشبِّهُ الشاعر أو الأديب هذا بهذا، والعقل لا يوافق على هذا التشبيه؟ فإنهم يقولون لك: أنت الآن تناقش إلى العقل، ونحن نرفض أحكام العقل! وبهذه الطريقة يهدمون العقل وطريقة التفكير السليم، ولا شك أن ذلك يجعل الأمة ضائعةً هائمةً، لا تعرف هدىً، ولا تعرف حقاً ولا خيراً، ولذلك تعد
الحداثة من وسائل هدم العقلية الإسلامية.
وهناك في هذه المنطقة ترويج لما يُسمى بالفن التشكيلي، والفن التشكيلي لا يقوم على معايير عقلية واضحة، أو الرسم: الأصل أن يكون الحكم على المبدع فيه واضحاً بالمعايير العقلية حتى يرتقي هذا المبدع، لكن عندما تكون المعايير غير عقلية، فإنه لا يرتقي إلا من يراد له أن يرقى! يمكن لواحد أن يرسم لوحة طولها عشرون متراً -مثلاً- يبذل فيها ألواناً وجهداً، فعندما يراها أي شخص من الحداثيين، فإنه يقول: هذه كلاسيكية لا تصلح! لأنه لا يوجد له معيار عقلي، وإذا جاء واحد يرسم أي شخابيط، قالوا: لوحة ممتازة ورائعة! ويُعطَى جائزة نصف مليون!
إن الذين يدعمون هذه الحركة يريدون ضرب المعايير؛ حتى يعلوا شأن من يريدون ويخفضوا شأن من لا يريدون، فتبقى المسألة تحكماً غير عقلي؛ لأنها قضت في الأصل على معايير العقل، وهذا ما يمكن أن نشير إليه -في هذه العجالة- عن
الحداثة وواقعها، كذلك ننبه إلى أنها لم تنته، ولكنها غيَّرت أساليبها، وغيَّرت الأقنعة؛ لأنها ترتدي أي قناع يمكن أن ترتديه.